تتزايد الحاجة إلى التحول نحو الطاقة الخضراء بشكل ملح أكثر من أي وقت مضى، حيث تتكاتف الدول في جميع أنحاء العالم لتقليل انبعاثات الكربون وتحقيق الهدف الطموح المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. تقود الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هذا التحول الكبير، حيث يُتوقع أن تنمو الطاقة الشمسية بمقدار 20 ضعفًا وطاقة الرياح بمقدار 11 ضعفًا بحلول ذلك الوقت. هذا التحول يمثل نقطة تحول مهمة نحو التخلص من الوقود الأحفوري، مع تصدر مصادر الطاقة المتجددة للمشهد العالمي.
طفرة الطاقة المتجددة
أصبحت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح رموزًا للتحول نحو الطاقة النظيفة. تشير التوقعات إلى أن الطاقة الشمسية ستتصدر إنتاج الكهرباء عالميًا، حيث ستصل التركيبات الجديدة إلى 630 جيجاواط سنويًا بحلول عام 2030، وهو ما يعادل أربعة أضعاف الرقم القياسي الذي تحقق في عام 2020. وبالمثل، فإن طاقة الرياح ستشهد نموًا كبيرًا، مع الحاجة إلى تركيب 390 جيجاواط سنويًا بحلول نفس الفترة.
من الملاحظ أن الطاقة الشمسية قد تصبح المصدر الأكبر للطاقة بحلول منتصف القرن. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها طاقة الرياح، مثل اختناقات سلاسل التوريد، فإنها تُظهر إمكانات كبيرة، خصوصًا من خلال مزارع الرياح البحرية التي تستفيد من الرياح القوية والمستدامة في البحار.
أهمية الكهرباء وكفاءة استخدام الطاقة
تشير الدراسات إلى أن الكهرباء ستصبح العمود الفقري لنظام الطاقة العالمي، مع توسع التقنيات النظيفة واستخدامها في مختلف القطاعات. تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تصل نسبة استهلاك الكهرباء إلى حوالي نصف إجمالي الطاقة عالميًا بحلول عام 2050، مقارنة بحوالي 20% في الوقت الحالي.
يعد هذا التحول ضروريًا خاصة في قطاعات مثل النقل، والتدفئة، والصناعة. ومن المتوقع أن تشهد السيارات الكهربائية توسعًا كبيرًا، بحيث تمثل 60% من مبيعات السيارات العالمية بحلول عام 2030، مقارنة بـ 5% فقط في الوقت الحالي.
كما تلعب كفاءة الطاقة دورًا محوريًا في هذا التحول، حيث يُستهدف تحسين كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 4% سنويًا حتى عام 2030، وهو معدل أعلى بثلاثة أضعاف مما تحقق خلال العقدين الماضيين. هذه الجهود ستؤدي إلى اقتصاد عالمي أكبر بنسبة 40% بحلول عام 2030 مع استهلاك طاقة أقل بنسبة 7% مقارنة باليوم.
الابتكارات التقنية في الهيدروجين واحتجاز الكربون
للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، لا يمكن الاعتماد فقط على الطاقة الشمسية والرياح، بل يتطلب ذلك استخدام تقنيات جديدة مثل الهيدروجين الأخضر وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.
الهيدروجين الأخضر، الذي يُنتج باستخدام التحليل الكهربائي المستمد من مصادر متجددة، يمكن أن يصبح وقودًا نظيفًا للصناعات الثقيلة مثل تصنيع الصلب والنقل البحري. من جانب آخر، ستلعب تقنيات احتجاز الكربون دورًا رئيسيًا في التقاط الانبعاثات الناتجة عن العمليات الصناعية وتخزينها تحت الأرض.
ستكون الابتكارات في هذه المجالات حاسمة خلال العقد القادم لسد الفجوة بين التقنيات الحالية واحتياجات إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة.
دور السياسات والتعاون العالمي
تلعب الحكومات دورًا رئيسيًا في قيادة التحول نحو الطاقة النظيفة، ولكن الجهود الحالية لا تزال غير كافية لتحقيق الأهداف المناخية. لتحقيق الهدف المنشود، يجب على الدول تبني سياسات قوية تزيد من الاستثمارات العامة والخاصة وتضع إطارًا واضحًا للتعاون العالمي.
تشمل الخطوات الضرورية التخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري، وفرض تسعير على انبعاثات الكربون، وتشجيع اعتماد الطاقة النظيفة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تركز الدول على دعم البحث العلمي والتطوير، مع توفير الحوافز للاستثمارات الخاصة. تشير التقديرات إلى الحاجة إلى استثمارات سنوية تصل إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2030 لدعم التحول إلى الطاقة المتجددة.
التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية
لا يقتصر التحول إلى اقتصاد أخضر على التكنولوجيا فقط، بل يتعلق أيضًا بالناس. تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن حوالي 5 ملايين وظيفة في قطاع الوقود الأحفوري قد تختفي بحلول عام 2030، ولكن في المقابل، من المتوقع أن يُخلق حوالي 14 مليون وظيفة جديدة في قطاع الطاقة النظيفة.
لتجنب الأضرار الاجتماعية، يجب على الحكومات إطلاق برامج تدريب وتأهيل للعمال المتأثرين، بالإضافة إلى توجيه الاستثمارات نحو المناطق الأكثر تأثرًا بتراجع قطاع الوقود الأحفوري.
أهداف العقد المقبل
الفترة من الآن وحتى عام 2030 تعتبر حاسمة لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية. تشمل الخطوات الرئيسية:
- زيادة تركيب الطاقة المتجددة إلى 1,020 جيجاواط سنويًا بحلول 2030.
- إيقاف بناء محطات الفحم الجديدة، مع حظر المشاريع الجديدة بعد عام 2021.
- تعزيز اعتماد السيارات الكهربائية، لتشكل أغلبية مبيعات السيارات الجديدة بحلول 2030.
- تعبئة استثمارات بقيمة 5 تريليونات دولار سنويًا في أنظمة الطاقة.
- تنفيذ سياسات لزيادة كفاءة استخدام الطاقة وتقليل استهلاكها عالميًا.
الاستنتاجات
إن تحقيق مستقبل طاقة مستدام هو تحدٍ كبير، لكنه مليء بالفرص. النظام المستقبلي للطاقة سيكون نظيفًا ومرنًا ومبنيًا على مصادر متجددة. الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والمركبات الكهربائية، والهيدروجين الأخضر، واحتجاز الكربون ليست مجرد تقنيات مستقبلية، بل هي الحلول الحالية التي يجب تبنيها وتوسيع نطاقها بسرعة.
يجب على الحكومات والشركات والأفراد التعاون لتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة وضمان أن يكون العقد القادم نقطة تحول نحو مستقبل أكثر استدامة.



